مصر .. الطريق الثالث (1)



تعيش مصر منذ زمن بعيد في صراع و تنافس اجتماعي شديدين و هما يكمنان في النفوس و تزداد و تقل حدتهما طبقا لنوعية الفئة الحاكمة و ظروف الحقبة التاريخية الملازمة لها و يحدث هذا و لا يزال منذ بدأ الغزو البدوي الإسلامي على مصر .. تختلف تلك الصراعات و تتعدد .. تارة تكون بسبب العقيدة و طوائفها المختلفة و تارة أخرى بسبب الأعراق و اختلافها و لكن الصراع الأشد يظهر دائما على السطح بسبب أتساع الفجوة الحضارية و الثقافية بين أبناء الريف و الحضر

سقطت الكذبة التي تَعتبر كون تشريع "عدم التبني يحافظ على الأنساب ".، أننا نجد شيء أخر مختلف عن ذلك على أرض الواقع على مدار التاريخ العربي و الإسلامي ، من خلال خطف الأولاد و البنات و سبى النساء و بيع و شراء العبيد و الجواري و ممارسة كل أنواع الاستمتاع الجنسي بشكل مقنن بحجة تعدد الزواج و تنوعه و حتى وصل الأمر الى شرعية زواج الرجل من ابته من الزنة .. التفسير المعروف لمقولة " الأبن لفراش و للعاهر الحجر" يكشف مدى الزيف الذى أتى به الإسلام لبشرية كفضيلة و لكنه في حقيقة الأمر عبارة خلط و تذويب و تدمير لأصول و الأعراق لدى الشعوب و تقنين لـ (الموبقات) و فرضها على البشر باعتبارها (مكارم و فضائل)

يرجع السبب الأول لتخلف المصريين ثقافيا و حضاريا عن باقية الأمم الى "فقدان الهوية" لديهم و فقدان الانتماء الى تاريخ و حضارة الأجداد الفراعنة و بالتالي فقدان التواصل بين الماضي و الحاضر و عدم امتلاك (مشاعر الانتماء الى الجذور) التي تعتبر بمثابة الوقود و تعتبر بمثابة الحافز الوجداني لجمع و كقوة الدفع لماكينة التقدم عند الأمم و بالتالي هناك عدم المقدرة على استحضار الماضي و اسقاطه على الحاضر لاستلهام الدروس و العبر و كما هو حادث مع القوميات الأخرى كـ الجرمانية / الأنجلو سكسونية / السلافية و غيرهم

لم تتوقف يوما عمليات "التخليط و التذويب العرقي" التي يقوم بها العرب في مصر طوال الـ (1400) عام الماضية لشعب و هي لا تختلف في مضمونها عن عمليات "التطهير العرقي" و الغرض من ذلك بالطبع إفقاد الشعب لهويته الخاصة

يرجع السبب الثاني لهذا التخلف الى العقيدة  أو الديانة المحمدية ذاتها و الى الثقافة البدوية المصاحبة لها .. فهذه العقيدة ببساطة شديدة .. عبارة عن فرض و تقنين لأسلوب الحياة الصحراوية و الثقافة البدوية على البشر و فرض ما يصاحبهما من قوانين و التي هي في الغالب تخالف الضمير الإنساني و تخالف القيم الإنسانية المتفق عليها و تسعى تلك الثقافة البدوية  المريضة من خلال اتباعها في فرض وصايتها و منهاجها على البشر بالترهيب و باستخدام "أدوات الأجرام الديني المُمنهج" من تعذيب و قطع لأطراف و من قتل و ذبح

تغلب المكون العرقي العربي عن المكون العرقي المصري في دماء الرئيس السابق (عبد الناصر) .. أكتفى هنا بذكر ما أراده (ناصر) من إخفاء لمصر كـ "أرض و شعب" بتغير أسمها على الخريطة الدولية الى "الجمهورية العربية المتحدة" و إعطاء مصر كهبة  الى العرب من خلال توصيف شعبها بـكونهم "عرب" ينتمون الى "القومية العربية" و قام بالترويج لهذا في أعلامه و في المدارس و الجامعات بغرض تكوين أجيال تؤمن بذلك و قد قام بتقنين ذلك في دستوره الذى لا يزال ساري المفعول الى الأن .. أجد في هذا العبث أن تلك الدساتير تفقد قيمتها و احترامها أمام الشعوب و تصبح مجرد أداة لقمع لا غير و كما أجد انه  .. ليس هناك اختلاف كبير بين السادات و مبارك و عبد الناصر

يُرجع عدم اعتزاز المصرين و عدم افتخارهم بجذورهم الفرعونية القبطية الى أسباب "دينية اسلامية " ، نظرا الى لغة التحقير و الازدراء المتواجدة  في كلام القران ضد "الفراعنة" حتى أصبحت كلمة "فرعوني" تمثل لمصري "مسبة" أثناء الحديث .. تم استغلال تلك جيدا و لا يزال و بمكر و خبث من قبل العرب في مصر بحكم تواجدهم كشيوخ في الأزهر و الإخوان و السلفين و كمعلمين وكقضاة و في الأعلام و على منابر المساجد في أنحاء البلاد من خلال احتقارهم الدائم لأصول الفرعونية و القبطية بغرض إفقاد الشعب لهويته و بتره عن ماضية  حتى يتم لهم التميز في الهوية العربية البدوية كـ أرقى و أشرف على حساب الهوية المصرية  في "الضمير المصري" مما تسبب في وجود حالة من "الانفصام الشخصي الجماعي" أصاب المجتمع ككل

مازالت سياسة "المحتل العربي" قائمة الى الأن من خلال  الانقضاض المستمر على المتبقي من "المصريين الأصلاء و الحقيقين من الأقباط و النوبيين " و بالتحريض عليهم من قبل الغالبية "فاقدي الهوية" بغرض تذويبهم و تفكيكهم عرقيا و تطفيشهم من قراهم و يتشارك في فعل هذا جميع مؤسسات الدولة من قضاء و أزهر و جامعات و خلافه و من خلال الأسلمة المتبعة لتفكيك و تدمير الأسر متحججين بالقوانين و بالشريعة البغيضة

بخلاف القبائل العربية المتواجدة في مصر .. هناك ايضا فئة أخرى من المصرين من ذي الأصول الأسيوية و القوقازية و المغاربية و غيرهم ، و هم لا يزالون يفتخرون بانتماءاتهم الغير مصرية و يتباهون و لا يخفون ذلك و لكنهم عموما في مجملهم لا يكنون العداء الى مصر "كأرض و شعب" كما هو الحال بالنسبة لعرب البدو و لكنهم يسيرون على دربهم في الصحافة و الأعلام و على حساب القومية المصرية من خلال عملية "تمييع" و "تمطيط" الكلمات ..مثال على ذلك .. لا يتم تحديد المعنى المقصود عن استخدام كلمة "أمة" في الأعلام .. هل هي/ الأمة المصرية / أم الأمة العربية / أم الأمة الإسلامية / و تترك هكذا عند استعمالها لتعطى الثلاث معانى .. نفس الشيء بالنسبة لـ "الوطن" .. هل هو /الوطن المصري /أم الوطن العربي/ .. وهكذا

يتكون غالبية الشعب المصري من هؤلاء "فاقدي الهوية" أو المُجبرون من قبل على فقدان هويتهم من خلال الأسلمة التي تتم طوال فترة الاحتلال العربي و نجد الغالبية تلك هم ابناء "هاني و عبير" من الأقباط و المُغرر بهم و المُضلل بهم الى الإسلام بكل الوسائل و الحيل على مر الزمن و منهم تتكون فيما بعد الأجيال الضعيفة اجتماعيا و الفقيرة ماديا و هم يعتبرون ايضا الموالي (أي العبيد) في نفس الوقت و الذين يتم التعامل معهم على هذا الأساس من قبل العرب أثناء عملهم في الدول الخليجية

هؤلاء الغالبية هم الأقل تعليما / الأقل وظيفيا / الأقل اجتماعيا / الأقل ثقافيا / الأقل دخلا و هم دائما المُتلقون من الدعم (السكر و الشاي و الزيت و الأرز) حتى في مواسم الانتخابات لكى ينتخبون هؤلاء "غير المصرين" ليصيروا عليهم "أسياد" فيما بعد في مجالسهم هم و التي لا و لن يحترم فيها المصري الحقيقي انسانيا أو عرقيا

هؤلاء الغالبية يشعرون دائما بكونهم غرباء و رعايا داخل و خارج وطنهم و هم الأذكى بسبب العامل الوراثي و التراكم الجيني و لكنهم في نفس الوقت المغيبين و غير قادرين على النهوض من ثباتهم و الخروج من غيبوبتهم .. فهم خارج السلطة و مبعدين عن القضاء و عن الأزهر و عن باقية مؤسسات صنع القرار و هم الجهة الأضعف و هم المُتلقون دائما لذا تًجدهم خارج الدائرة و خارج التاريخ

مع تحياتي و محبتي