كراهية تحت الحجاب - قصة قصيرة


تعيش (فضيلة) و هي الشهيرة بـ (أم ليلى) في أحدى المدن الأوربية الكبرى مع (ليلى) أبنتها الكبرى التي قد تخطت الثامنة عشر بقليل و مع (كر يم) و (سارة) اللذان يصغرانها بعام على التوالي .. قَدمت (أم ليلى) الى المدينة بعدما تزوجها أحدى أبناء قريتها و هو الذى يكبرها بسنوات عدة و كان يعيش في تلك المدينة مشتغلا طوال الوقت في البناء و المعمار حتى رحيله عن الدنيا لوفاته من عام مضى
ماتزال (أم ليلى) لا تستطيع التحدث باللغة التي يتحدثون بها في المدينة بالرغم من مرور أكثر من عشرين عام على وجودها بها .. تعلمت بعض الكلمات و الجمل البسيطة التي تحتاجها في التعامل مع الطبيب و عند الذهاب الى السوق و هي لا تشعر بالغربة لكونها تعيش في وسط اجتماعي منغلق على المعارف و الأصدقاء من أبناء بلدتها اللذين يعيشون في نفس المدينة أو قريبة منها
بعد موت الزوج لم تعد (أم ليلى) تخفى وجها بالنقاب عند خروجها من المنزل و أكتفت بارتداء الحجاب فقط لتغطية رأسها كما كانت تفعل في قريتها و استمرا بناتها في ارتداء الحجاب كما ارد الوالد .. (ليلى) كانت على العكس من (سارة) ترتدى الحجاب على مضض و تخلعه عندما تكون بعيدة عن المنزل و عن معارف والدتها و أخوتها
لا يكفى (أم ليلى) التقاعد القليل الذى تتحصل عليه من الدولة و هي تعتمد أكثر على ما تتحصل عليه من الضمان الاجتماعي و ما يمنح لها من الدولة نظير رعاية الأبناء ودعمهم طالما هم لايزالون في مراحل التعليم .. و هي لا تريد في نفس الوقت البحث عن عمل و الذهاب اليه و تفضل ان تمكث في المنزل عن العمل ..  هي لا تمتلك مهنة معينة و لا تريد التعلم مهنة برغم صغرها و لا تستطيع أن تتحدث بلغة أهل المدينة و تتحجج دائما بالكذب بعدم القدرة على العمل بسبب مرضها عندما تُسأل في الإدارات المختلفة حتى يتسنى لها الحصول على الضمان الاجتماعي و غيره

بعد موت الزوج أزداد قلق (أم ليلى) أكثر على بناتها و خصوصا عندما يتغيبان قليلا في المدرسة أو في السوق .. هما لا يستطيعان الخروج من المنزل حتى في نهاية الأسبوع طالما ليس هناك داعى لتسوق .. يزداد الخلاف يوميا بينهم بسبب شدة الخناق عليهما .. لكنه لا يصل الى درجة التصادم
على العكس من ذلك .. فيستطيع (كريم) الخروج و الدخول حينما يريد و مصادقة من يريد من الأولاد و البنات بدون أي مساءلة من جهة الأم .. و هي لا تعطى أي اهتمام بما يفعله خارج المنزل و لم تعير أي اهتمام عندما و صل الى علمها ..اتخاذ (كريم) صديقة له غير مسلمة .. فقد تعرف عليها في المدرسة .. (كريم) يريد تعلم مهنة النجارة و (سارة) مازالت تتعلم مهنة التمريض و شهور قليلة و تحصل (ليلى) على شهادة التخرج في مهنة المحاسبة البنكية

كل شيء يسير بهدوء و سلام في المنزل حتى حدث ما يعكر صفوهم .. رأت (سارة) اختها (ليلى) متعانقة مع صديقها (كريستيان) في أحدى الطرق و قامت بأخبار و لدتهما عما رأته .. تحول فجأة حب الأم تجاه (ليلى) الى كراهية .. لم تكن تتوقع حدوث مثل تلك العلاقة .. اعترفت (ليلى) لوالدتها بعلاقتها مع (كرستيان) و المستمرة منذ ثلاث اعوام تقريبا .. فهما زميلان في نفس المعهد و يحبان بعضهما و قد اتفقا على الزواج بعدما يتخرجان و يشتغلان و سوف ينتقلان لحياة سويا في شقة منفصلة لوحدهما .. لم تتمالك الأم سماع اعترافات ليلى و صراحتها
قامت الأم بشكل غير أرادي بضربها على وجهها بيدها .. ذهبت (ليلى) الى غرفتها تفكر فيما حدث و هي منهمرة في البكاء فهي لم تفعل أي شيء خطأ يستحق عليه كل هذا العراك و كما أن هذه هي المرة الأولى التي تُضرب فيها من والدتها

أشتد الخناق أكثر على (ليلى) من أفراد الأسرة و عرف بالأمر غالبية الأهل و الأقارب و البعض منهم يعيشون في نفس المدينة .. لم تنقطع الاتصالات التلفونية من قبل الأقارب و المعارف مع (ليلى) في الأيام التالية لذلك استفسارا عن هذا الحدث .. الجميع يتحدث و يرشد و ينصح بقطع العلاقة مع صديقها و البعض منهم يحذر و يتوعد
تحملت (ليلى) تلك الأيام الصعاب على أمل الانتهاء من امتحانات التخرج و التي هي قادمة على الأبواب ، لكى تستطيع العمل و تصبح مستقلة ماليا عن الأسرة في المستقبل .. كانت (ام ليلى) تبحث منذ فترة على عريس مسلم يكون مناسب لها من خلال الأقارب و المعارف و أخذت بعد هذه الحادثة تُسرع في طلب ذلك و تلح على من تحدثه في هذا الأمر .. مرت الشهور و حصلت (ليلى) على الشهادة في المحاسبة البنكية و لم تنقطع علاقتها بـ (كرستيان) .. فكانا لا يزلان يتقابلان سرا و بعيدا عن الأنظار

انهالت على (ليلى) عروض كثيرة من بعض الأقارب و المعارف بغرض الزواج منها .. رفضت (ليلى) العروض جميعها متحججة بكون الجميع يكبرونها بسنوات عدة .. أشتد الخناق عليها و لم تجد مفرا غير الهرب و الالتجاء الى (كرستيان) .. فقد أصبح عنده عمل و شقة خاصة به و كما انها حامل منه في طفل و لا تستطيع في هذا الوقت العمل و الاستقلال ماديا كما خططت لذلك من قبل
اضطرت (ليلى) الى تغير رقم تلفونها بعدما كثر التهديد و الوعيد من قبل الأم و الأخ و الأهل بغرض عودتها الى المنزل و فيما بعد ... وضعت (ليلى) طفل جميل و اختارا له أسم (بيتر) و قاما الأثنان بإتمام زواجهما في ادارة البلدية الخاصة بالزواج المدني و التابعة لمسكنهما الجديد

بالرغم من مرور الكثير من الوقت ألا أن (ام ليلى) لم يهدأ لها بال و لم تلين بعد .. فهي لا تزال تعتبر ما حدث عار كبير و لم يحدث له مثيل من قبل في الأسرة و أخذت تفكر كيف تمحو هذا العار و بدون ان تسبب مشكلة لها أو لغيرها و هي تعلم جيدا أنها تعيش في بلد منفتح و متحرر يحترم حقوق الأنسان و لا يعطى ما حدث أي أهمية بل يعتبره أيضا من الخصوصيات، طالما أنهما بالغين و لا يوجد بينهما ابتزاز أو استغلال
أخذت الأم تتودد مع ليلى أبنتها عندما تتصل بها تلفونيا ، فقد كانت (ليلى) دائمة الاتصال بوالدتها بالرغم من سوء معاملتها لها خلال تلك الفترة .. مرت سنتان و عدة اشهر .. قاما الأم بدعوتهما لزيارتها في المنزل و لرؤية حفيدها (بيتر) و أخبرتها انها تريد فتح صفحة جديدة معها
كانت (ليلى) في منتهى السعادة بما سمعته من والدتها و لم تستطع أن تنتظر حتى يأتي (كرستيان) بعد انتهائه من العمل لتخبره بذلك .. قررت الاتصال به في الحال .. و أتفقا الأثنان على الذهاب في نفس اليوم الى والدتها .. فقد كانت ليلى مشتاقة جدا لرؤية والدتها و لم تستطع الانتظار يوما أخر حتى عطلة نهاية الأسبوع
تقابل (كرستيان) مع زوجته بعد انتهاء العمل في ظهيرة يوم الخميس و كانت (ليلى) مصطحبه (بيتر) معها .. قد أتفقا على ذلك تلفونيا و أرادت ليلى اختصار الوقت و الإسراع في رؤية الوالدة ، فهي لم تراها منذ ما يقرب على الثلاثة سنوات

استقبلت (أم ليلى) أبنتها بالأحضان و التقبيل و البكاء و بعواطف جياشة .. فرحت (أم ليلى) كثيرا بحفيدها (بيتر) .. اتفقت من قبل مع أبنها (كريم) على ان يقضى تلك الليلة عند أحد أقاربهم حتى يتسنى لي (ليلى) و زوجها و ابنهما في استعمال غرفته لنوم .. جهزت (ام ليلى) مائدة الطعام في الغرفة و عليها أفخاذ من الفراخ المقلية التي تحبها ابنتها (ليلى) و كتعبير عن محبتها لـ (كرستيان) وعن نسيانها لما حدث .. قامت بشواء كفته من لحم الخنزير المفروم خصيصا له .. نام ابنهما (بيتر) مبكرا كالعادة فهو مازال صغير و عمره يذيد قليلا عن العامين .. تبادلت (ليلى) مع (كرستيان) الطعام فأخذت هي الكفتة المشواة و أخذ هو أفخاذ الفراخ المقلية .. (كرستيان) لا يحب اللحم المشوي و لكن فقط المقلي منه .. لكن الأم لا تعرف ذلك .. لم ترد (ليلى) أخبار والدتها بهذا في تلك المرة على أن تخبرها مستقبلا .. قضيا الأثنان باقية الليل كأنهما يحلمان بما يحدث لهما

أستيقظ (كرستيان) صباح الجمعة مبكرا .. فيحب ان يذهب لعمل .. قام بتقبيل زوجته و ابنه و هما نائمان و خرج مسرعا من المنزل .. أغلقت الأم باب غرفتها طوال الليل و لم ترد ان تغادرها صباحا كما لو كانت في انتظار من يطرق على باب غرفتها .. لم تمر الساعة حتى سمعت صوت (بيتر) يصرخ و يبكى خلف الباب
فتحت الباب و هي تسأله .. ماذا حدث لبابا
لم تكن تعرف ان أبنتها بسبب حبها لـ (كرستيان) قد تبادلت معه الطعام فأكل هو الفراخ و أكلت هي لحم الخنزير
اثبت الطبيب المختص ان سبب وفاة (ليلى) يرجع الى تسمم الطعام .. اعتقدت (أم ليلى) انه من الصعب أن تُتهم من قبل السلطات بقيامها بعملية تسميم الطعام مع أبنها (كريم) ، لأنها أمرأه مسلمة و محجبة .. و هي لا تطبخ و لا تأكل لحم الخنزير .. و من السهل القول بأن (كرستيان) قد أكل تلك الطعام المسمم أثناء عمله على الغذاء في الظهيرة .. من خلال التحاليل المعملية المختصة .. تم معرفة زمن أكل الطعام المُسمم و نوعيته بدقة شديدة .. أصبح وضع (أم ليلى) لا تُحسد عليه فقد قتلت أبنتها بالخطأ و تواجه الآن تهمة القتل العمد مع ابنها (كريم) من قبل قاضى التحقيق