القبض على الرسول في الجحيم - قصة قصيرة

استيقظ كريم بعد نوم عميق شاعرً بنشوة غريبة تسرى في جسدهِ و سعادة لم يتعود عليها كما لو كان مستغرق في حلم ممتع جميل .. أراد كريم ان ينزل من السرير ليبدأ يومه و اذا بيه يتفاجأ بعدم وجود أرض أسفل قدميهِ .. أخذ يتحسس سريره متطلعا اليهِ .. فلم يجد له أثر .. فعَرفَ انه لا يزال مستغرق في الحلمِ .. أخذ ينظر حوله .. يريد استكشاف ما يدور في المكانِ .. أزداد حيرة أكثر عندما لم يجد لنفسهِ جسدً بشرىً بل مجرد جسم هلامي اقرب ما يكون الى لون الضوء منه الى اللون الأبيض و لم يَشعر بوجود وزن له كالأرواحِ ، لاحظ وجود الكثير حوله من تلك الأجسام التي تدور و تلف في أعداد لا حصر لها ، فهي بالألاف أو بالملاين لكنه لا يستطيع تحديدها
:
تحلق تلك الأجسام النورانية مثل اسراب الطيور في شكل جماعات منفصلة مغردة بأصوات منخفضة عذبة تعطى في النفس البهجة و السرور ..، أصوات أقرب الى السيمفونية الموسيقية الهادئة .. تحلق تلك الأجسام في الفضاء الواسع صانعة مجموعات مختلفة الأحجام مرددة لبعض الكلمات في إيقاعات منتظمة بديعة تشبه التسابيح و الترانيم مشكلة عبارات في المديح بديعة أثناء دورانها .. كل شيء يسير بهدوء وانتظام شديدان و يبعثان في النفس الطمأنينة و الإحساس بالبهجة و السعادة بلا انقطاع .. صورة متناغمة يصعب وصفها من الجماليات و الإبداعات
:
تفجأ كريم بزمرة من تلك الأجسام تلتف حوله في سلام .. ملقين عليه التحية سأله أحدهم .. هل أعجبك ما تشاهد
رد كريم عليه منبهرا .. رائع و لكنني لا أعرف أين يوجد هذا المكان
رد أحد أخر منهم .. نحن فوق الزمان في اللامتناهي و فوق المكان في اللامحدود
رد أحد اخر منهم .. نحن مسؤولون فقط عن استقبالك و مساعدتك في اختيار أحدى المجموعات و الالتحاق بها و المساعدة في اختيار الأصدقاء
فهم كريم انهم يمتلكون المقدرة على قراءة ما يدور بخلده من افكار و كما ان لديهم تخصصات فيما بينهم
:
ذهبت تلك المجموعة و أتت أخرى مُشابهة لها في الخدمة و أطلعته على أمور تقدم الى كل قادم جديد اليهم .. هناك قوانين تحكم هذا الفضاء و تسرى على الجميع بلا استثناء .. عَرف كريم ما يجب عَمله و ما لا يجب و عَرف واجباته و الخدمة التي سيؤديها في هذا الجمع ، فقد اصبح واحد من هؤلاء العامة أي بلا مواهب و بلا مقدرات خاصة ممنوحة فلم يمتلك رتبة قيادية في المملكة حيث لا يوجد ثواب أو عقاب و تُؤدى الواجبات طواعية و بمحبة من الجميع و بدون غيرة أو تنافس بين القادة و العامة و كل شيء يَتم عمله بمثالية و انتظام شديدان و بلا أي أخطاء على الأطلاق
:
أخذ كريم يحلق و يدور مبتهجا في الفضاء البديع بعد التحاقه بأحدي المجموعات أخذً في ترديد الترانيم و التسابيح التي تتغنى بها مجموعته الجديدة .. تتسابق المجموعات فيما بينها في تقديم اجمل ما عندها من أشكال بديعة في الفضاء من خلال الدوران و التحليق تعبيرا عن فرحتها و سعادتها لوجودها في حضرة رئيس تلك الفضاءات و الممالك .. لا يوجد زمن محدد لبدأ عمل ما و الانتهاء منه و ليس هناك احساس بالبداية أو النهاية .. هناك اللانهاية و الخلود
تَعرف كريم و هو القادم من مصر على الكثير متخذً البعض منهم أصدقاء مقربين له ، فمنهم من كان قبلهِ بألاف السنوات أمثال الفراعنة و غيرهم و منهم ايضا أحمد القادم من باكستان الذى يتشابه في خلفيته الثقافية على الأرض مع كريم .. تقاربَ الأثنان أكثر و أخذَ يتواصلان عبر لغة لم يتحدثان بها من قبل و هي اللغة التي يتحدث بها الجميع
:
أحمد و كريم قد ارتدان عن نفس الديانة اثناء وجودهما على الأرض لذا فهما يتشابهان في الكثير من المعاناة .. أخذ أحمد يحاكى كريم أكثر عن المملكة و عن الفضاء المتواجد حولها .. هناك لا يوجد ازمنه في الماضي أو في المستقبل و جميع الأزمنة و الأحداث في الحاضر و تستمر و لا تصبح من الماضي
أستمر أحمد في حديثه قائلا .. أننا لسنا في سجن هنا و لكننا نستطيع الدخول و الخروج و زيارة الفضاءات و الكواكب الأخرى حتى لو أرادنا زيارة كوكب الأرض .. كما ان هناك من يخرج في مأموريات الى الأرض من قبل القادة
أحمد قد سبق كريم بفترة زمنية قد تصل الى خمسون عام من وصوله الى "مملكة النور" هذه .. من خلال حساب التواريخ لبعض الأحداث على الأرض استطاعا سويا استنتاج تلك السنوات الخمسين
:
تساءل كريم أثناء حديثه مع أحمد عن مصير الأخرون من أقاربهم و معارفهم و هل يوجد هناك فضاءات أخرى قد تحتويهم .. توجد مملكة شهيرة تعرف بـ "مملكة الظلمة" يمكن الذهاب اليها و التجول بداخلها بدون عوائق .. الأجسام النورانية تستطيع اختراق كل الفضاءات بلا موانع و على العكس من ذلك لساكني مملكة الظلمة فهم لا يستطيعون اختراق الفضاءات الأخرى و التجول داخلها و لكن يستطيعون الصعود الى كوكب الأرض و السكن في أجساد المخلوقات المتواجدة عليه .. سكان مملكة الظلمة مصيرهم الفناء فلا خلود في أجسامهم و لا أبدية لديهم
في تلك المملكة يلاحظ الزائر اليها العراك و الصراع القائم بين ساكنيها في شكل اَلسنهً نارية ترتفع و تنخفض في أشكال و أحجام مختلفة نتيجةً لتصادم أجسامهم الظلماء مع بعضها البعض و لا يُسمع في هذا الفضاء غير تلك الأصوات العالية المزعجة و العويل و الصراخ و صرير الأسنان الصادر منهم
:
لم يتفاجأ كريم كثيرا لما يراه و يسمعه من ضجج و صخب فعنده من المعلومات المسبقة و الكافية التي قد تلقاها من أحمد صديقه ، فهو يستطيع اختراق جميع تلك الأجسام المظلمة دون ان تشعر بيه و يستطع الإنصات و الاستماع الى ما يقال حوله و التحدث و التواصل مع من يريد دون ان يستطيع أي منهم الأضرار بيه .. فهو ذو جسد نوراني خالد و يتعالى عن تلك الأجساد المظلمة ، يجد كريم عندهم الرهبة و الخوف و الأصغاء التام عندما يتحدث اليهم
لم يشئ كريم ان يخبر صديقة أحمد عن سبب رغبته في زيارة تلك المملكة و هو الرغبة في البحث عن الرسول .. قد أعتبر ذلك قضيته الخاصة .. يعتقد كريم تماما بلا أدنى شك لديه بتواجده في مملكة الظلمة تلك و وجده معروف لغاية لدى الكثير من ساكنيها عند سؤالهم عنه و لكنهم يعتقدون أيضا بتواجده في مكان مختلف في مملكة مختلفة عن مملكة الظلمة هذه .. الغالبية منهم على رجاء الذهاب الى تلك المملكة الأخرى كما قيل لهم على الأرض .. فهم يعلمون ان الفناء مصيرهم لكنهم يخدعون انفسهم و يكابرون
:
لا يوجد اجسام ذكورية و أخرى انثوية في الفضاء فلا يوجد تفرقة بينهما و لكن يتم التعرف عليهما من خلال أصواتهم لا غير ... ان كانت تتبع هذا أو ذاك و قادمة من كوكب الأرض
يتكون ساكني مملكة الظلمة من مجموعات مختلفة الأحجام متخذين من أعراقهم ودياناتهم و طوائفهم على الأرض شرط لهم في تكوينها .. قام بالبعض من تلك المجموعات من اتباع أحدى الديانات الأرضية بإخراج النساء لديهم و وضعهم منعزلين في مجموعة خاصة بهم حتى لا يختلطون بالرجال لديهم
تجول كريم في كل الأنحاء مخترقا تلك المجموعات جميعها باحثا عن الرسول و توقف كثير عند هذه المجموعة الخاصة بالنساء .. لاحظ كريم تواجد زمرة منهن في داخل تلك المجموعة لا يتشاجرن و لا يتصارعن مثل الأخرين و عندما أقترب أكثر مهن ليستمع الى أحاديثهن ، فوجدهن يتشاورن بالأذرع و لا يتكلمن مع بعضهن البعض كما لو يتحاشين الانكشاف من قبل الأخرين و تحدث كريم الى أحدهن .. يعتقد انها ترأسهن لتجمع باقية الزمرة حولها
تكلم كريم موجها حديثه اليها قائلا .. أنا كريم و قادم اليكم من مملكة النور
عندما سمعت "هذه" بكون أسمه "كريم" و انه يحمل نفس اسم كتابهم الديني على الأرض ،  اعتقدت انه قادم ليأخذهن الى "مملكة النور" معه
ردت عليه موجه الحديث اليه قائله .. أنا الرسول .. و هؤلاء أقاربي و أصحابي و هن زوجاتي
:
استطاع الرسول طوال الوقت خداع أقاربه و أصحابه و زوجاته بحجة الانتظار متخفين حتى يحين ذهابهم الى "مملكة النور" متخذا من نفسه قائدا عليهم طوال الوقت
:
تركه كريم و هو متحير .. لماذا يتخفى الرسول وسط النساء و لا يتكلم حتى لا ينكشف امره ... اسئلة كثرة سوف يعاود كريم التحقيق فيها معه



 ملحوظة:  ــــــــــــــــــــــ
هذه القصة القصيرة واحدة من سلسلة قصصية قصيرة مترابطة الأحداث